فصل: سياسة الأبدان بما يصلحها من الطعام وغيره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


باب الضيافة وأخبار البخلاء على الطعام

من حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم في حق الضيف عن المقدام أبي كريمة أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلميقول‏:‏ ‏"‏أيّما مسلم ضافه قومٌ فأصبح الضيف محرومًا كان له على كلّ مسلم نصره حتى يأخذ بقربى ليلته من زرعه وماله‏"‏‏.‏

لأبي هريرة روى ابن العجلان عن أبيه قال‏:‏ قال أبو هريرة‏:‏ إذا نزلت برجل ولم يقرك فقاتله‏.‏

للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أنس قال‏:‏ قال رسول الّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الخير أسرع إلى مطعم الطّعام من الشّفرة في سنام البعير‏"‏‏.‏

الحسن وداود داود قال‏:‏ قلت للحسنك إنك تنفق من هذه الأطعمة وتكثر‏.‏ قال‏:‏ ليس في الطعام سرفٌ‏.‏

للثوري وقال الثوريّ‏:‏ ليس في الطعام ولا في النساء سرفٌ‏.‏

من حديث النبي صلى الّله عليه وسلم، ثم لابن عباس عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إنّ من السّنّة أن يمشي الرجل مع ضيفه إلى باب الدار‏"‏‏.‏

عن عبد الرحمن بن عباس قال‏:‏ رأيت ابن عباس في وليمة فأكل وألقى للخبّاز درهمًا‏.‏

في قرى الضيف الأصمعيّ قال‏:‏ سئل أقرى أهل اليمامة للضيف‏:‏ كيف ضبطتم القرى‏؟‏ قال‏:‏ بأنا لا نتكلّف ما ليس عندنا‏.‏

عن بعض النّساك قال‏:‏ قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئًا‏.‏عن عون بن عبد اللّه قال‏:‏ ضلّ رجلٌ صائمٌ في عام سنةٍ، فابتلي برجل عند فطره وقد أتي بقرصين فألقى إليه أحدهما، ثم قال‏:‏ ما هذا بمشبعه ولا بمشبعي، ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان؛ وألقى إليه الآخر‏.‏ فلما أوى إلى فراشه آتاه آت فقال‏:‏ سل‏.‏ فقال‏:‏ أسأل المغفرة‏.‏ قال‏:‏ قد فعل ذلك بك‏.‏ قال‏:‏ فإني أسأل أن يغاث الناس‏.‏

عن الحسن‏:‏ أنّ رجلًا جهده الجوع، ففطن له رجلٌ من الأعيان، فلمّا أمسى أتى به رحله، فقال لامرأته‏:‏ هل لك أن نطوي ليلتنا هذه لضيفنا‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فإذا قدّمت الطعام فادني إلى السراج كأنك تصلحيه فأطفئيه‏.‏ ففعلت وجاءت بثريدة كأنها قطاة فوضعتها بين أيديهما، ثم دنت إلى السراج كأنّها تصلحه فأطفأته، فجعل الأنصاريّ يضع يده في القصعة ثم يرفعها خالية؛ فأطلع على ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ فلما أصبح الأنصاريّ صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفجر، فلما سلّم أقبل على الأنصاريّ وقال‏:‏ ‏"‏أنت صاحب الكلام الليلة‏؟‏‏"‏؛ ففزع الأنصاريّ وقال‏:‏ أيّ كلامٍ يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ كذا وكذا- قوله لامرأته- قال‏:‏ كن ذاك يا رسول اللّه‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فواللّه لقد عجب اللّه من صنعكما الليلة‏"‏‏.‏

لعمر بن عبد العزيز الأصمعيّ قال‏:‏ كان عمر بن عبد العزيز إذا قدم عليه بريدٌ قال‏:‏ هل رأيت في الناس العرسات‏؟‏ يعني الخصب للمسلمين‏.‏

وقيل لأعرابيّ كان في مجلس‏:‏ فيم كنتم‏؟‏ قال‏:‏ كنا في قدر تفور، وكأس تدور، وغناء يصور، وحديث لا يخور‏.‏

عذري يحدّث بما رأى في حضر المسلمين

بلغني أن محمد‏"‏بن خالد‏"‏بن يزيد بن معاوية كان نازلًا بحلب على الهيثم بن يزيد التّنوخيّ، فبعث إلى ضيف له من عذرة فقال‏:‏ حدّث أبا عبد اللّه ما رأيت في حاضرة المسلمين من أعاجيب لأعراس‏.‏ قال‏:‏ نعم، ؤرأيت أمورًا معجبة‏:‏ منها أني رأيت قرية عاصم بن بكر الهلالّي، فإذا أنا بدورٍ متباينة، وإذا أخصاصٌ منظّمٌ بعضها إلى بعض، وإذا بها ناس كثيرٌ مقبلون ومدبرون وعليهم ثياب حكو بها ألوان الزّهر،فقلت لنفسي‏:‏ هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر؛ثم رجع إليّ ما عزب عنّي من عقلي، فقلت‏:‏ خرجت من أهلي في عقب صفر وقد مضى العيدان قبل ذلك؛ فبينما أنا واقفٌ ومتعجّب أتاني رجل فأخذ بيدي‏"‏فأدخلني دارًا قوراء‏"‏وأدخلني بيتًا قد نجّد في وجهه فرش قد مهّدت وعليها شابٌ ينال فروع شعره كتفيه، والناس حوله سماطان؛ فقلت في نفسي‏:‏ هذا الأمير الذي يحكى لنا جلوسه وجلوس الناس حوله؛ فقلت وأنا ماثلٌ بين يديه‏:‏ السلام عليك أيها الأمير ورحمة اللّه وبركاته؛ فجذب رجلٌ بيدي وقال‏:‏ اجلس فإن هذا ليس بالأمير؛ فقلت‏:‏ ومن هو‏؟‏ قال عروس؛ قلت‏:‏ واثكل أمّاه‏!‏ ربّ عروسٍ رأيت بالبادية أهون على أصحابه من هن أمّه؛ فلم ألبث إذ دخلت الرجال عليها هناتٌ مدوّراتٌ من خشب وقضبان، أمّا ما خفّ فيحمل حملًا، وأمّا ما ثقل فيدحرج، فوضعت أمامنا وتحلّق القوم حلقًا حلقًا، ثم أتينا بخرقٍ بيضٍ فألقيت بين أيدينا، فظننتها ثيابًا وهممت عندها أن أسأل القوم خرقًا أقطع منها قميصًا، وذلك أني رأيت نسجًا متلاحكًا لا تبين له سدىً ولا لحمة؛ فلما بسط القوم أيديهم إذا هو يتمزّق سريعًا وإذا هو‏"‏فيما زعموا‏"‏صنف من الخبز لا أعرفه ثم أتينا بطعام كثير من حلوٍ وحامضٍ وحارّ وبارد، فأكثرت منه وأنا لاأعرف ما في عقبه من التّخم والبشم‏.‏ ثم أتينا بشرابٍ أحمر في عساس، فلما نظرت إليه قلت‏:‏ لا حاجة لي فيه، أخاف أن يقتلني‏.‏ وكان في جانبي رجل ناصح لي - أحسن اللّه جزاءه - كان ينصح لي من بين أهل المجلس، فقال‏:‏ يا أعرابيّ، إنك قد أكثرت من الطّعام، وإن شربت الماء انتفخ بطنك - فلما ذكر البطن تذكرت شيئًا كان أوصاني به‏"‏أبي و‏"‏الأشياخ‏"‏من أهلي‏"‏قالوا‏:‏ لا تزال حيًّا م دام شديدًا‏"‏يعني البطن‏"‏فإذا اختلف فأوص - فلم أزل أتداوى به ولا أملّ من شربه، فتداخلني - نالك الخير -صلف لا أعرفه‏"‏من نفسي، وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله، واقتدارٌ على أمر أظن معه أني لو أردت نيل السقف لبلغته ولو شأوت الأسد لقتلته، وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي‏"‏بهتم أسنانه وهشم أنفه، وأهم أحيانًا بأن أقول له‏:‏ يابن الزنية؛ فينما نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين ربعةٌ‏:‏ أحدهم قد علّق في عنقه جعبة فارسية مشنجة الطرفين دقيقة الوسط قد شبحت بالخيوط شبحًا منكرًا، وقد ألبست قطعة فرو كأنهم يخافون علها القرّ‏.‏ ثم بدر الثاني فاستخرج من كمّه هنة‏"‏سوداء‏"‏كفيشلة الحمر فوضع طرفها في فيه فضرب فيها فاستتمّ بها أمرهم، ثم حسبعلى جحرة فيها فاستخرج منها صوتًا ملائمًا مشاكلًا بعضه بعضًا‏"‏كأنه - علم اللّه - ينطق‏"‏‏.‏ ثم بدر الثالث عليه عليه قميص وسخ وقد غرق شعره بالدّهن معه مرآتان فجعل يمري إحداهما على الأخرى مريًا‏.‏ ثم بدر الرابع عليه قميصٌ قصير وسراويل قصير وخفّان أجذمان لا ساقين لهما، فجعل يقفز كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط بالأرض، فقلت‏:‏ معتوه وربّ الكعبة‏!‏ ثم ما برح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي، ورأيت الناس يحذفونه بالدراهم حذفًا منكرًا‏.‏ ثم أرسلت إلينا النساء أن أمتعونا من لهوكم، فبعثوا بهم إليهن وبقيت الأصوات تدور في آذاننا‏.‏ وكان معنا في البيت شابٌ لا آبه له، فعلت الأصوات له بالدعاء، فخرج فجاء بخشبة عينها في صدرها فيه خويطاتٌ أربعة، فاستخرج من جنبها عودًا فوضعه على أذنه، ثم زمّ الخيوط الظاهرة، فلما أحكمها وعرك آذانها حرّكها بمجسةٍ في يده، فنطقت وربّ الكعبة‏!‏ وإذ هي أحسن قينة رأيتها قطّ،‏"‏وغنىً عليه‏"‏فاستخفنيّ في مجلسي حتى قمت فجلست بين يديه، فقلت‏:‏ بأبي أنت وأميّ‏!‏ ماهذه الدابّة‏؟‏‏"‏فلست أعرفها‏"‏للأعراب وما خلقت إلا حديثًا‏!‏ فقال‏:‏ يا أعرابيّ، هذا البربط الذي سمعت به فقلت‏:‏ بأبي أنت وأمي‏!‏ فما هذا الخيط الأسفل‏؟‏ قال‏:‏ زير؛ قلت‏:‏ فما الذي يليه‏؟‏ قال‏:‏ مثنى؛ قلت‏:‏ فالثالث‏؟‏ قال‏:‏ المثلث؛ قلت‏:‏ فالرابع‏؟‏ قال‏:‏ ألبمّ؛ قلت‏:‏ آمنت

باللّه أوّلًا وبالبم ثانيًا‏.‏ه أوّلًا وبالبم ثانيًا‏.‏

شعر للخريمي في إكرامه الضيف وقال الخريمي‏:‏

أضاحك ضيفي قبل إنـزال رحـلـه *** ويخصب عندي والمـحـلّ جـديب

وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى *** ولكنّما وجـه الـكـريم خـصـيب

مثله لأرطأة بن سهية، وغيره وقال أرطأة بن سهيّة‏:‏

وإنّي لقوامٌ إلى الضيف موهنـًا *** إذا أغدف السّتر البخيل المواكل

دعا فأجابتـه كـلابٌ كـثـيرةٌ *** على ثقةٍ منّي بما أنا فـاعـل

وما دون ضيفي من تلادٍ تحوزه *** لي النفس إلا تصان الحـلائل

آخــــــــــــر‏:‏ ***

إذ نزل الأضياف كان عذوّرًا *** على الأهل حتى تستقلّ مراجله

يقول‏:‏ يسوّىء خلقه حتى يطعم أضيافه، لإعجاله إياهم ولخوف تقصيرٍ يكون منهم‏.‏

لدعبل وقال دعبل‏:‏

وإني لعبد الضيف من غير ذلةٍ *** وما فيّ إلا تلك من شيمة العبد

وقال آخر‏:‏

لحافي لحاف الضّيف والبيت بيته *** ولم يلهني عنه الغزال المقنّـع

أحدثه، إن الحديث من الـقـرى *** وتعلم نفسي أنه سوف يهجـع

وقال الفرزدق في العذافر‏:‏

لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها *** بأكثر خيرًا من خوان عذافـر

ولو ضافه الدّجّال يلتمس القرى *** وحلّ على خبّازه بالعسـاكـر

بعدّة يأجوجٍ ومأجوج كلّـهـم *** لأشبعهم يومًا عداء العـذافـر

وقال مسكين الدارميّ‏:‏

ناري ونار الجار واحدةٌ *** وإليه قبلي تنزل القـدر

ما ضرّ جارًا لي أجاوره *** ألاّ يكون لبابه سـتـر

بين أبي الرمكاء ورجل ضافه ضاف رجلٌ من كلب أبا الرّمكاء الكلبيّ، ومع الرجل فضلة من حنطة، فراحت معزى‏"‏أبي‏"‏الرّمكاء، فحلب وشرب، ثم حلب وسقى ابنه، ثم حلب وسقى امرأته؛ فقال الرجل‏:‏ ألا تسقون ضيفكم‏؟‏ فقال أبو الرّمكاء‏:‏ ما فيها فضل‏.‏ فاستخرج الرجل ما عكمه من طعام وقال‏:‏ هل من رحىً‏؟‏ فأسرعوا بها نحوه، فطحن وعجن وأوقد خبزته فنفضها، فإذا رسول أبي الرمكاء يقول‏:‏ يقول لك أبو الرمكاء‏:‏ لا عهد لنا بالخبز؛ فقال الرجل‏:‏ ما فيها فضل‏.‏ ثم أكل وارتحل، وقال‏:‏

بات أبو الرمكاء لم يسق ضـيفـه *** من المحض ما يطوي عليه فيرقد

فقمت إلى حنّانةٍ فوق أخـتـهـا *** ونارٍ وباتت وهي تورى وتوقـد

فلما نفضت الخبز بالعود أقبـلـت *** رسائل تشكو الجوع والحيّ سهّـد

وقال أبو الرمكاء بالخبز عـهـده *** قديمٌ له حولٌ كـريب مـطّـرد

فقلت ألا لا فضل فيها لـبـاخـلٍ *** ولا مطمعٌ حتى يلوح لنا الـغـد

فبات أبو الرمكاء من فرط ريحها *** يئن كما أنّ السليم الـمـسـهّـد

أعرابي يصف قومًا بخلاء ذكر أعرابيّ قومًا فقال‏:‏ ألغوا من الصلاة الأذان، مخافة أن تسمعه الآذان، فيهلّ عليهم الضّيفان‏.‏

لبعضهم وغيره في البخلاء وقال بعضهم في ذلك‏:‏

أقاموا الدّيدبان علـى يفـاعٍ *** وقالوا لا تنـم لـلـدّيدبـان

فإن أبصر شخصًا من بعـيدٍ *** فصفّق بالبنان على البنـان

تراهم خشية الأضياف خرسًا *** يصلّون الصـلاة بـلا أذان

وقال زياد الأعجم‏:‏

وتكعم كلب الحي من خشية القرى *** وقدرك كالعذراء من دونها ستر

وقال آخر‏:‏

وإني لأجفو الضيف من غير عسرة *** مخافة أن يضرى بـنـا فـيعـود

وقال آخر‏:‏

أعددت للضيفان كلبـًا ضـاريًا *** عندي وفضل هراوةٍ من أرزن

ومعاذرًا كذبًا ووجهًا بـاسـرًا *** متشكيًا عض الزمان الألـزن

رأى رجلٌ الحطيئة وبيده عصا؛ فقال‏:‏ ما هذه‏؟‏ قال‏:‏ عجراء من سلم، قال‏:‏ إني ضيف‏.‏ قال‏:‏ للضيفان أعددتها‏.‏

وقال آخر‏:‏

وأبغض الضيف ما بي جلّ مأكله *** إلا تنفخه حـولـي إذا قـعـدا

ما زال ينفخ جنبيه وحـبـوتـه *** حتى أقول لعلّ الضيف قد ولدا

حميد الأرقط يذكر ضيفًا وقال حميدٌ الأرقط يذكر ضيفًا‏:‏

إذا ما أتانا وارد المصر مرملًا *** تأوب ناري أصفر العقل قافل

فقلت لعبدي اعجـلا بـعـشـائه *** وخير عشاء الضيف ما هو عاجل

فقال وقد ألقى المراسي للـقـرى *** أبن لي ما الحجاج بالناس فاعـل

فقلت مـا لـهـذا طـرقـتـنـا *** فكل ودع الأخبار ما أنـت آكـل

تجهّز كفّاه فـيحـدر حـلـقـه *** إلى الزور ما ضمّت عليه الأنامل

أتانا ولم يعدلـه سـحـبـان وائلٍ *** بيانًا وعلمًا بـالـذي هـو قـائل

فما زل منه اللقم حتـى كـأنـه *** من العيّ لما أن تكـلّـم بـاقـل

وقال أيضًا في نحو ذلك‏:‏

ومرملين على الأقتاب برهـم *** حقائب وعباءٌ فـيه بـعـرين

مقدمين أنوفًا في عصائبـهـم *** هجنًا، ألا جدعت تلك العرانين

يسطرون لنا الأخبار إذ نزلـوا *** وكلّ ما سطروا للقم تمـكـين

باتوا وجلتنا الصهباء بـينـهـم *** كأن أظفارهم فيها سكاكسـن

فأصبحوا والنوى عالي معرّسهم *** وليس كلّ النوى تلقي المساكين

وقال أيضًا في نحو ذلك‏:‏

وعاوٍ عوى والليل مستحلس الندى *** وقد ضجعت للغور تالية النجـم

فسلّم تسليم الصّـديق ولـم يكـن *** صديقًا لنا إلاليأنس بـالـلـقـم

فقلت له والنار تـأخـذ صـدره *** لقمت لسمتٍ أم سريت على علم

لبعض الرجاز وقال بعض الرجاز‏:‏

برّح بالعينين خطّاب الكثب *** يقول إني خاطبٌ وقد كذب

وإنما يطلب عسًّا من حلب ***

وقال آخر‏:‏

إني لمثلكم من سوء فعلـكـم *** إن زرتكم أبدًا إلا معي زادي

حماد عجرد يهجو حريثًا وقال حمّد عجرد‏:‏

حريثٌ أبو الصلت ذو خبرةٍ *** بما يصلح المعدة الفاسـده

تخوّف تخـمة أضـيافـه *** فعوّدهـم أكـلةً واحـده

زياد وغيلان بن خرشة عن قتادة قال‏:‏ قال زيادٌ لغيلان بن خرشة‏:‏ أحبّ أن تحدثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها، لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا بها‏.‏ فقال غيلان‏:‏ حدّثني عمّي قال‏:‏ توالت على العرب سنون تسعٌ في الجاهلية حطمت كل شيء، فخرجت على بكرٍ لي في العرب‏.‏ فمكثت سبعًا لا أطعم شيئًا إلا ما ينال منه بعيري أو من حشرات الأرض، حتى دفعت في اليوم السابع إلى حواء عظيم، فإذا بيتٌ جحش عن الحيّ فعملت إليه فخرجت إليّ امرأة طوالةٌ حسّانةٌ، فقالت‏:‏ من‏؟‏ قلت‏:‏ طارق ليلٍ يلتمس القرى‏.‏ فقالت‏:‏ لو كان عندنا شيء لآثرناك به، والدّالّ على الخير كفاعله، حسّ هذه البيوت ثم انظر إلى أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه‏.‏ ففعلت حتى دفعت إليه، فرحب بي صاحبه وقال‏:‏ من‏؟‏ قلت‏:‏ طارق ليل يلتمس القرى‏.‏ فقال‏:‏ يا فلان؛ فأجابه، فقال‏:‏ هل عندك طعامٌ‏؟‏ فقال لا؛ فوالله ما وقر في أذني شيء كان أشدّ منه‏.‏ قال‏:‏ فهل عندك شراب‏؟‏ قال لا؛ ثم تأوه فقال‏:‏ بلى، قد بقّينا في ضرع الفلانة شيئًا لطارق إن طرقك‏.‏ قال‏:‏ فأت به‏.‏ فأتى العطن فابتعثها‏.‏ فحدّثي عمّي أنه شهد فتح أصبهان وتستر ومهرجا وكور الأهواز وفارس وجاهه عند السلطان وكثرة ماله وولده، قال‏:‏ فما سمعت شيئًا قطّ كان أشد من شخب تيك الاقة في تلك العلبة؛ حتى إذا ملأها‏"‏و‏"‏فاضت من جوانبها وارتفعت عليها شمكرةٌ كجمة الشيخ، أقبل بها يهوي نحوي، فعثر بعود أو حجر، فسقطت العلبة من يده، فحدّثني أنه أصيب بأبيه وأمّه وولده وأهل بيته فما أصيب بمصيبةٍ أعظم من ذهاب العلبة‏.‏ فلما رأى ذلك ربّ البيت خرج شاهرًا سيفه فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سنامًا ودفع إليه مدية وقال‏:‏ يا عبد الله اصطل واحتمل‏.‏ قال‏:‏ فجعلت أهوي بالبضعة إلى النار فإذا بلغت إناها أكلتها، ثم مسحت ما في يدي من إهالتها على جلدي وقد كا قحل عليّ عظمي حتى كنه شنٌّ، ثم شربت شربة ماءٍ وخررت مغشيًا عليّ فما أفقت إلى السحر‏.‏ وقطع زيادٌ الحديث وقال‏:‏ لا عليك ألا تخبرنا بأكثر من هذا، فمن المنزول به‏؟‏ قلت‏:‏ أبو علي عامر بن الطّفيل‏.‏

لبعض الشعراء يهجو قومًا قال بعض الشعراء يهجو قومًا‏:‏

وتراهم قبل الغداء لضيفهم *** يتخللون صبابةً لـلـزاد

لآخر يهجو أبي المقاتل وقال آخر‏:‏

إستبق ودّ أبي الـمـقـا *** تل حين تأكل من طعامه

سيّان كـسـر رغـيفـه *** أو كسر عظمٍ من عظامه

فتراه من خـوف الـنـز *** يل به يرّوع في منامـه

فإذا مـررت بـبـابــه *** فاحفظ رغيفك من غلامه

وقال آخر‏:‏

صدّق أليّته إن قال مـجـتـهـدًا *** لا والرغيف، فذاك البرّ من قسمه

قد كان يعجبني لـو أنّ غـيرتـه *** على جراذقه كانت على حرمـه

إن رمت قتلـتـه بـخـبـزتـه *** فإن موقعها من لحـمـه ودمـه

طعام أبي دلف قلت لرجل كان يأكل مع أبي دلف‏:‏ كيف كان طعامه‏؟‏ قال‏:‏ كان على مائدته رغيفا بينهما نقرة جوزةٍ؛ وقال‏:‏

أبو دلفٍ يضـيّع ألـف ألـفٍ *** ويضرب بالحسام على الرغيف

أبو دلفٍ لمطـبـخـه قـتـارٌ *** ولكن دونه ضرب الـسـيوف

لأبي الشمقمق، ثم لدعبل

وقال أبو الشـمـقـمـق‏:‏

رأيت الخبز عزّ لديك حتى *** حسبت الخبز في جوّ السحاب

وما روحتنا لـتـذبّ عـنـا *** ولكن خفت مرزئة الـذئاب

وقال دعبل‏:‏

إ من ضنّ بالكنيف على الضي *** ف بغير الكنيف كيف يجود‏!‏

ما رأينا ولا سمعـا بـحـشٍّ *** قبل هـذا لـبـابـه إقـلـيد

إ يكن في الكنيف شيء تخبّـا *** ه فعندي إن شئت فيه مـزيد

ولهذا الشعر قصة قد ذكرتها في باب الشعراء‏:‏ بخل جعفر بن سليمان الهاشمي قال أبو محمد‏:‏ شوي لجعفر بن سلمان الهاشمي دجاجٌ ففقد فخذٌ من دجاجةٍ فأمر فنودي في داره‏:‏ من هذا الذي تعاطى فعقر‏!‏ والله لا أخبز في هذا التنور شهرًا أو يردّ‏!‏ فقال ابنه الأكبر‏:‏ أتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا‏!‏‏.‏

قال بعض الشعراء‏:‏

يا تارك البيت على الـضـيف *** وهاربًا منـه مـن الـخـوف

ضيفك قد جاء بـخـبـزٍ لـه *** فارجع فكن ضيفًا على الضيف

أبو نواس وخبز إسماعيل وقال أبو نواس‏:‏

خبز إسماعيل كالوش *** ي إذا ما شقّ يرفـا

عجبًا من أثر الصـن *** عة فيه كيف يخفـى

إن رفـاءك هـــذا *** أحـذق الأمة كـفّـا

فإذا قابل بالـنـصـر *** ف من الجردق نصفا

مثل ما جاء من التـن *** ور ما غادر حرفـا

أحكم الصنعة حـتـى *** لا يرى موضع إشفى

وله في الماء أيضـًا *** عملٌ أبدع ظـرفـا

مزجه العذب بماء ال *** بئر كي يزداد ضعفا

فهو لا يشرب مـنـه *** مثل ما يشرب صرفا

بين عبد العزيز بن عمران وبنت ابن هرمة عن عبد العزيز بن عمران قال‏:‏ نزلت ببنت‏"‏ابن‏"‏هرمة فقلت‏:‏ انحروا لا جزورًا؛ قالت‏:‏ والله ما هي عندنا؛ قلت‏:‏ فبقرة، قالت‏:‏ لا؛ فشاة؛ قالت‏:‏ لا، قلت‏:‏ فدجاجة؛ قالت‏:‏ لا؛ قلت‏:‏ فأين قول أبيك‏:‏

لا أمتع العوذ بالفصال ولا *** أبتاع إلا قـريبة الأجـل

قالت‏:‏ ذاك أفناها‏.‏ فبلغ ابن هرمة ما قالت، قال‏:‏ أشهد أنها ابنتي، وأشهد أن داري لها دون الذكور من أولادي‏.‏

بخل ابن أبي فنن قال ابن أبي فنن‏:‏

لا أشتم الضيف ولكنـنـي *** أدعو له بالقرب من طوق

بقرب مـن إن زاره زائرٌ *** مات إلى الخبز من الشوق

من أخبار البخلاء دخل على ابنٍ لرجلٍ من الأشراف داخلٌ وبين يديه فراريج، فغطّى الطبق بمنديله وأدخل رأسه في جيبه وقال للداخل عليه‏:‏ كن في الحجرة الأخرى حتى أفرغ من بخوري‏.‏

وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال‏:‏ دخل رجل على رجلٍ قد تغدّى مع قومٍ ولم ترفع المائدة قال لهم‏:‏ كلوا وأجهزوا على الجرحى‏.‏ يريد كلوا ما كسر ونيل منه ولا تعرضوا إلى الصحيح‏.‏

قال‏:‏ وقال لقوم يؤاكلونه‏:‏ يزعمون أن خبزي صغار‏!‏ أيّ ابن زانيةٍ يأكل من هذا رغيفين‏!‏‏.‏ قال‏:‏ ويقول لزائره إذا أطال عنده المكث‏:‏ تغدّيت اليوم‏؟‏ فإن قال نعم، قال‏:‏ لولا أنك تفدّيت لغدّيتك بطعامٍ طّيب‏.‏ وإن قال لا، قال‏:‏ لو كنت تغدّيت لسقيتك خمسة أقداح‏.‏ فلا يكون له على الوجهين لا قليلٌ ولا كثير‏.‏

بين أبي نواس وخراساني وحكي عن أبي نواس أنه قال‏:‏ قلت لرجلٍ من أهل خراسان‏:‏ لم تأكل وحدك‏؟‏ قال‏:‏ ليس عليّ في هذا الموضع سؤال، إنما السؤال على من آكل مع الجماعة، لأن ذاك تكلّف وأكلي وحدي هو الأكل الأصليّ‏.‏

بخل الحزاميّ

وكنّا عند داود بن أبي بواسط أيام ولايته كسكر، فأتته من البصرة هدايا، وكان فيها زقاق دوشابٍ فقسمها بيننا، فكلّنا أخذ ما أعطي، غير الحزاميّ، فأنكرنا ذلك وقلنا‏:‏ إنما يجزع الحزاميّ من الإعطاءوهو عدوّه، فأما الآخذ فهو ضالّته وأمنيّته؛ فإته لو أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وجرّارات الأهواز لأخذها، إذ كان اسم الأخذ واقعًا عليها؛ فسألناه عن سبب ذلك، فتعسّر قليلًا ثم باح بسرّه وقال‏:‏ وضيعته أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب الإدبار؛ قلت‏:‏ أوّل وضائعه احتمال ثقل السّكر؛ قال‏:‏ هذا لم يخطر ببالي قطّ،، ولكن أوّل ذاك كراء الحمّال، فإذا صار إلى المنزل صار سببًا لطلب العصيدة والارزّة والستندفود، فإن بعته فرارًا من هذا البلاء صيّرتموني شهرة، وإن أنا حبسته ذهب في العصائد وأشباهها، وجذب ذلك شراء السّمن، ثم جذب السمن غيره، وصار هذا الدّوشاب علينا أضرّ من العيال؛ وإن أنا جعلته نبيذًا احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الحبّ وإلى شراء الماء، وإلى كراء من يوقد تحته؛ فإن ولّيت ذلك الخادم اسودّ ثوبها وغّرمتنا ثمن الأشنان ولصابون، وازدادت في لطّعم على قدر الزيادة في العمل؛ فإن فسد ذهبت النفقة باطلًا ولم نستخلف منها عوضًا بوجه من الوجوه، لأن خلّ الدّاذيّ يخصب اللّحم ويغيّر الطّعم ويسوّد المرقة ولا يصلح‏"‏إلا‏"‏للاصطباغ‏.‏ وإن سلم-وأعوذ باللّه-وجاد وصفا فلم نجد بدّا من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه؛ فإن قعدت في البيت أشربه لم يمكن ذلك إلا بترك سلاف الفارسيّ المعسّل، والدّجاج المسمّن، وجداء كسكر وفاكهة الجبل والنّقل الهشّ والرّيحان الغضّ، عند من لا يغيض ماله، ولا تنقطع مادّته، وعند من لا يبالي على أي قطريه سقط، مع فوت الحديث المؤنس والسّماع الحسن؛ وعلى أني إن جلست في البيت أشربه لم يكن بدّ من واحد، وذلك الواحد لا بدّ له من لحمٍ بدرهم، ونقلٍ بطسّوج، وريحانٍ بقيراط، ومن أبرارٍ للقدر وحطبٍ للوقود؛ وهذا كله غرم وشؤم وحرمان وحرفة وخروجٍ من العادة الحسنة‏.‏ فإن كان النديم غير موافقٍ فأهل السجن أحسن حالًا مني، وإن كان موافقًا فقد فتح اللّه على مالي به بابًا من التلّف، لأنه حينئذ يسير في مالي كسيري في مال غيري ممّن هو فوقي‏.‏ فإذا علم الصديق أن عندي داذيًا أو نبيذًا دقّ على الباب دقّ المدلّ، فإن حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء‏.‏ وإن بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسنه‏"‏مني‏"‏من أكون عنده، فقد شاركت المسرفين، وفارقت إخواني الصالحين، وصرت من إخوان الشياطين؛ واللّه تقدّست أسماؤه يقول‏:‏ ‏"‏إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين‏"‏؛ فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من مال غيري، وصار غيري يكتسب منّي؛ وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم به فكيف إذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ، وبأن أوكل ولا آكل‏!‏ أعوذ باللّه من الخذلان بعد العصمة، ومن الحور بعد الكور؛ ولو كان هذا في الحداثة أهون‏.‏ هذا الدّوشاب دسيسٌ من الحرفة، وكيدٌ من الشيطان، وخدعةٌ من الحسود، وهو الحلاوة التي تعقب المرارة‏.‏ ما أخوفني أن يكون أبو سليمان قد ملّني فهو يحتال لي الحيل‏!‏‏.‏

الحارثي

وحكي عن الحارثي أنه قال‏:‏ الوحدة خيرٌ من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل السوء؛ لأن كل أكيلٍ جليس وليس كل جليس أكيلًا؛ فإن كان لا بدّ من المؤاكلة ولا بدّ من المشاركة فمع من لايستأثر عليّ بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة؛ ولا يلتقم كبد الدجاج، ولا يبادر إلى دماغ السّلاّءة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا يزدرد قانصة الكركيّ، ولا ينتزع شاكلة الحمل، ولا يبتلع سرّة السمك، ولا يعرض لعيون الرؤوس، ولا يستولي على صدور الدّرّاج، ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ، ولا يتناول إلا‏"‏ما‏"‏بين يديه، ولا يلاحظ ما بين يدي غيره، ولا يمتحن الإخوان بالأمور الثمينة، ولا ينتهك استار الناس بأن يشتهي ما عسى ألا يكون موجودًا؛ فكيف تصلح الدنيا ويطيب العيش بمن إذا رأى جزورية التقط الأكباد والأسمنة، وإذا عاين بقريةً استولى على العراق والقطنة، وإن عاين بطن سمكةٍ اخترق كلّ شيء فيه، وإنأتوا بجنب شواءٍ اكتسح ما عليه، ولا يرحم ذا سنٍّ لضعفه، ولا يرقّ على حدثٍ لحدّة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت الحال‏.‏ وأشدّ من كل ما وصفناه أن الطبّاخ ربما أتى باللون الظريف الطّريف، والعادة في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير الحجم، فيقدّمه حارًّا ممتنعًا، وربما كان من جوهرٍ بطيء الفتور، وأصحابنا في سهولة ازدراد الحارّ عليهم في طبائع النّعام، وأنا في شدة الحارّ‏"‏عليّ‏"‏في طباع السّباع، فإن نظرت إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن أنا بادرت مخافة الفوت وأردت أن أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره؛ والحارّ ربما قتل وربما أعقم وربما أبال الدم‏.‏

قال‏:‏ وعوتب على تركه إطعام الناس معه وهو يتخذ فيكثر، فقال‏:‏ أنتم لهذا أترك مني، فإن زعمتم أنني أكثر مالًا وأعدّ عدّةً، فليس بين حالي وحالكم من التفاوت أن أطعم أبدًا وتأكلوا أبدًا، فإذا أتيتم من أموالكم من البذل على قدر احتمالكم، علمت أنكم الخير أردتم، وإلى تزييني ذهبتم، وإلا فإنكم إنما تحلبون حلبًا لكم شطره‏.‏

لأبي ثمامة قال‏:‏ كان أبو ثمامة أفطر ناسًا وفتح بابه فكثر عليه الناس، فقال‏:‏ إن اللّه لا يستحي من الحق، وكلّكم واجب الحق، ولو استطعنا أن نعمّكم بالبرّ كنتم فيه سواءً ولم يكن بعضكم أولى به من بعضٍ؛ كذلك أنتم إذا عجزنا أو بدا لنا، فليس بعضكم أحقّ بالحرمان والإعتذار إليه من بعض، ومتى قرّبت بعضكم وفتحت بابي لهم وباعدت الآخرين، لم يك في إدخال البعض عذرٌ، ولا في منع الآخرين حجّة‏.‏ فانصرفوا ولم يعودوا‏.‏

بخل محمد بن أبي المؤمل قال‏:‏ وكان محمد بن أبي المؤمّل يقول‏:‏ قاتل اللّه رجالًا كنّا نؤاكلهم، ما رأيت قصعةً رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضلٌ، وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شيء من آيين الموائد الرّفيعة، وإنما جعل كالقافية وكالخاتمة وكالعلامة لليسر والفراغ، ولم يحضر للتفريق والتخريب، وأن أهله لو أرادوا به سوءًا لقدّموه لتقع الحدّة به‏.‏ ولذلك قال أبو الحارث جميّز حين رآه لا يمسّ‏:‏ هذا المدفوع عنه‏.‏

ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة، ويدعها كلّ واحدٍ لصاحبه، وأنت اليوم إذا أردت أن تمتّع عينيك بنظرة واحدة منها ومن بيضة السّلاّءة لم تقدر على ذلك‏.‏

وكان يقول‏:‏ الآدام أعداء الخبز، وأعداها له المالح؛ فولا أن اللّه أعان عليها بالماء وطلب آكله له لأتى على الحرث والنّسل‏.‏

وكان يقول‏:‏ ما بال الرجل إذا قال‏:‏ اسقني ماءً أتاه بقلّة على قدر الرّيّ أو أصغر، وإذا قال‏:‏ أطعمني شيئًا أو هات لفلان طعامًا، أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة، والطعام والشّراب أخوان‏.‏ أما إنه لولا رخص الماء وغلاء الخبز لما كلبوا على الخبز وزهدوا في الماء؛ ولناس أشدّ شيءٍ تعظيمًا للمأكول إذا كثر ثمنه وكان قليلًا في منبته وعنصره‏.‏ هذا الجزر الصافي والباقلاء الأخضر أطيب من كمّثرى خراسان والموز البستاني، وهذا الباذنجان أطيب من الكمأة، ولكنهم لقصر هممهم وأذهانهم في التقليد والعادة لا يشتهون إلا على قدر الثمن‏.‏

وكان يقول‏:‏ لو شرب الناس الماء على طعامهم لما اتّخموا‏.‏ وذلك أن الرجل لا يعرف مقدار ما أكل حتى ينال من الماء شيئًا، لأنه ربما كان شبعان وهو لا يدري‏.‏ وفي قول الناس‏:‏

ماءٌ دجلة مرأ من ماء الفرات، وماء مهران أمرأ من ماء‏"‏نهر‏"‏بلخ؛ وفي قول العرب‏:‏ هذا ماءٌ نميرٌ يصلح عليه‏"‏المال‏"‏دليلٌ على أن الماء يمرىء؛ حتى قالوا‏:‏ إن المء الذي يكون عليه النفّاطات أمرأ من الماء الذي تكون عليه القيّارات‏.‏ فعليكم بشرب الماء على الغداء‏"‏فإنّ ذلك أمرأ‏"‏‏.‏

الثوريّ وعياله قال‏:‏ وكان الثّوريّ يقول لعياله‏:‏ لا تلقوا نوى التمر والرّطب وتعوّدوا ابتلاعه، فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفىء الكليتين بذلك الشّحم؛ واعتبروا ذلك ببطون الصّفايا وجميع ما يعتلف النّوى‏.‏ واللّه لو حملتم أنفسكم على قضم الشّعير واعتلاف القتّ لوجدتموها سريعة القبول، وقد يأكل الناس القتّ قداحًا، والشّعير فريكًا، ونوى البسر الأخضر، ونوى العجوة؛ وإنما بقيت عليكم الآن عقبة؛ أنا أقدر أن أبتلع النوى وأعلفه الشّاء، ولكني أقول هذا بالنظر لكم‏.‏

وكان يقول لهم‏:‏ كلوا الباقلاء بقشوره، فإن الباقلاء يقول‏:‏ من كلني بقشوري فقد أكلني، ومن لم يأكلني بقشوري فإن آكله؛ فما حاجتكم‏"‏إلى‏"‏أن تصيروا طعامًا لطعامكم، وأكلًا لما جعل أكلًا لكم‏.‏

قال‏:‏ وحمّ هو وعياله فلم يقدروا على أكل الخبز، فربح قواتهم في تلك الأيام؛ ففرح وقال‏:‏ لو كان في منزلي سوق الأهواز ونطاة خيبر رجوت أن أستفضل في كل سنة مائة دينار‏.‏

موسى بن جناح وجيرانه قال‏:‏ ودعا موسى بن جناح جماعةً من جيرانه ليفطروا عنده‏"‏في شهر رمضان‏"‏، فلما وضعت المائدة أقبل عليهم ثم قال لهم‏:‏ لا تعجلوا، فإنّ العجلة من عمل الشيطان‏.‏ ثم وقف وقفةً ثم قال‏:‏ وكيف لا تعجلون واللّه تعالى يقول‏:‏ ‏"‏وكان الأنسان عجولًا‏"‏‏.‏ اسمعوا ما أقول لكم، فإن فيه حسن المؤاكلة والتبعّد من الأثرة، والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة‏:‏ إذا مدّ أحدكم يده ليسقي ماءً فأمسكوا أيديكم حتى يفرغ، فإنكم تجمعون عليه خصالًا‏:‏ منها أنكم تنغّصون عليه في شربه، ومنها أنه إذ أراد اللّحاق بكم فلعلّه يتسرع إلى لقمةٍ حارّة فيموت، وأدنى ذلك أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللّقم‏.‏ ولهذا قال بعضهم وقد قيل له‏:‏ لم تبدأ بأكل اللحم‏؟‏ قال‏:‏ لأن اللّحم ظاعنٌ والثريد مقيمٌ‏.‏ وأنا وإن كان الطعام طعامي فإني كذلك أفعل؛ فإذ رأيتم فعلي يخالف قولي فلا طاعة لي عليكم‏.‏ قال بعضهم‏:‏ فربما نسي بعضنا فمدّ يده وصاحبه يشرب، فيقول له يدك يا ناسي، ولولا شيء لقلت لك‏:‏ يا متغافل‏.‏ قال‏:‏ فأتانا بأرزّةٍ لو شء أحدنا أن يعدّ حباتها لعدّها، لتفرّقها وقلّتها، وهي مقدار نصف سكرّجة؛ فوقعت في فمي قعطةٌ، وكنت إلى جنبه، فسمع صوتًا حين مضغتها، فقال‏:‏ اجرش يا أبا كعب‏.‏

اللئيم الراضع قال‏:‏ وكنّا نسمع باللئيم الراضع، وهو الذي يرضع الحلب فلا يحلبه في الإناء لئلاّ يسمع صوت الحلب - وقال بعضهم‏:‏ لئلا يضيع من اللبن شيءٌ - ثم رأيت أبا سعيد المدائني قد صنع أعظم من ذلك‏:‏ ارتضع من دنّ خلاّ حتى فني ولم يخرج منه شيء‏.‏

من أخبار الكندي قال‏:‏ وكان الكنديّ لا يزال يقول للساكن من سكّاننا -‏"‏وربما قال‏"‏للجار -‏:‏ إن في داري امراةً بها حبلٌ، والوحمى ربما أسقطت من ريح القدر الطّيبة، فإذا طبختم فردّو شهوتها بغرفة أو بعلقة فإن النفس يردّها اليسير، وإن لم تفعل ذلك وأسقطت فعليك غرّةٌ‏:‏ عبدٌ أو أمة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ نزلنا دارًا بالكراء للكنديّ على شروط، فكان في شرطه على السكّان أن يكون له روث الدابّة، وبعر الشاة، ونشوار العلوفة؛ وألا يخرجوا عظمًا ولا يخرجوا كناسة، وأن يكون له نوى التمر، وقشور الرّمان، والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى في بيته؛ وكان في ذلك يتنزّل عليهم، فكانوا لطيبه وإفراط بخله يحتملون ذلك‏.‏

من بخل سهل بن هارون

وقال دعبل‏:‏ أقمنا يومًا عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى اضطره الجوع إلى أن دعا بغدائه، فأتي بصحفةٍ عدمليّة فيها مرق لحم ديكٍ عاسٍ هرمٍ ليس قبلها ولا بعدها غيرها، لا تخزّ فيه السكين، ولا تؤثر فيه الأضراس، فاطّلع في القصعة وقلّب بصره فيها، فأخذ قطعة خبز يابسٍ فقلب بها جميع ما في الصفحة ففقد الرأس، فبقي مطرقًا ساعةً، ثو رفع رأسه إلى الغلام وقال‏:‏ أين الرأي‏؟‏ قال‏:‏ رميت به؛ قال‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ ما ظننت أنك تأكله‏"‏ولا تسأل عنه‏"‏‏!‏ قال‏:‏ ولأيّ شيءٍ ظننت ذلك‏؟‏ فواللّه إني لأمقت من يومي برجله فكيف من يرمي برأسه‏!‏ والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه عرفه الذي يتبرّك به، وفيه عينه التي يضرب بها المثل فيقال‏:‏ ‏"‏شراب كعين الديك‏"‏، ودماغه عجبٌ لوجع الكلية، ولن ترى عظمًا قطّ أهشّ من عظم رأسه؛ فإن كان من نبلٍ أنك لا تأكله فإنّ عندنا من يأكله‏.‏ أو ما علمت أنه خيرٍ من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق‏!‏ أنظر أين هو‏.‏ قال‏:‏ لا واللّه لا أدري أين هو، رميت به‏.‏ قال‏:‏ لكني أدري أنك رميت به في بطنك، واللّه حسبك‏.‏

لبعضهم في بخيلين وحكي عن رجل أنه قال‏:‏ مررت ببعض طرقات الكوفة، فإذا رجل يخاصم جارًا له، فقلت‏:‏ ما بالكما تختصمان‏؟‏ فقال‏"‏أحدهما‏"‏‏:‏ لا واللّه إلا أنّ صديقًا لي زارني فاشتهى عليّ رأسًا، فاشتريته وتغذّينا به وأخذت عظامه فوضعتها على باب داري أتجمّل بها عند جيراني فجاء هذا فأخذها وتركها على باب داره يوهم أنه اشتراه‏.‏

أيضًا في البخل قال‏:‏ وتناول رجل من بين يدي أميرٍ من الأمرء بيضةً وهو معه، فقال‏:‏ خذها فإنها بيضة العقر‏.‏ ولم يأذن له بعد ذلك‏.‏

قال‏:‏ وقدّمت مائدة لرجلٍ عليها أرغفة على عدد الرؤوس ورغيفٌ زائد يوضع على الصّحاف، فلما أنفد القوم خبزهم التفت إلى رجلٍ إلى جانبه فقال‏:‏ إكسر هذ الرغيف وفرّقه بينهم‏.‏ فتغافل، فأعاد عليه، فقال‏:‏ يبتلي على يد غيري‏.‏

من بخل المغيرة الثقفي قال المدائنيّ‏:‏ كان المغيرة بن عبد اللّه الثقفيّ وهو على الكوفة جديٌ يوضع على مائدته بعد الطعام لا يمسّه هو ولا غيره، فقدم أعرابيٌ يومًا فأكل لحمه وتعرّق عظامه؛ فقال‏:‏ يا هذا، أتطالب هذا البائس بذهل‏؟‏‏!‏ هل نطحتك أمه‏!‏ قال‏:‏ وأبيك إنك لشفيق عليه‏!‏ هل أرضعتك أمّه‏!‏‏.‏

بين زياد بن عبد اللّه الحارثي وأشعب قال المدائني‏:‏ كان لزياد بن عبد اللّه الحارثي جديٌ لا يمسه‏"‏أحد‏"‏، فعشّى في شهر رمضان قومًا فيهم أشعب، فعرض أشعب يومًا للجدي من بين القوم، فقال زياد حين رفعت المائدة‏:‏ أما لأهل السجن إمامٌ يصلّي بهم‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فليصلّ بهم أشعب‏.‏ قال أشعب‏:‏ أو غير ذلك أيها الأمير‏؟‏ قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ لا آكل لحم جدي أبدًا‏.‏

المغيرة بن عبد اللّه الثقفي قال‏:‏ وكان المغيرة بن عبد اللّه الثّقفيّ يأكل وأصحابه تمرًا فانطفأ السراج، وكانوا يلقون النّوى في طستٍ، فسمع صوت نواتين؛ فقال‏:‏ من ذا يلعب بالكعبتين‏؟‏ شعر للأعشى، ولآخرين قال الأعشى‏:‏

تبيتون في المشتي ملاءً بطونكم *** وجاراتكم سغبٌ يبتن خمائصا

وقال آخر‏:‏

وضيف عمروٍ وعمروٌ ساهران معا *** فذاك من كظّةٍ والضيف من جوع

وقال آخر‏:‏

وجيرةٍ لا ترى في الناس مثلهم *** إذا يكون لهم عيدٌ وإفـطـار

إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم *** وليس يبلغنا ما تنضج النـار

وقال سماعة بن أشول‏:‏

نزلنا بسهمٍ والسمـاء تـلـفّـنـا *** لحي اللّه سهمًا مـا أدقّ وألأمـا

فلما رأينا أنـه عـاتـم الـقـرى *** بخيلٌ ذكرنا ليلة لهضب كردمـا

فقمنا وحملنا على الأين والوجـى *** جلالا بأوصال الرّديفين مرجمـا

يدقّ خراطيم القـنـان كـأنـمـا *** يدقّ بصوان الجلامـيد حـتـمـا

فجئنا وقد باض الكرى في عيوننـا *** فتىً من عيون النعرقين مسلـمـًا

تنـاج إلـيه هـجـمةٌ واتـكـيّة *** رعت بالجواء البقل حولًا مجرّما

كأنّ بأحقيها إذا مـا تـنـعّـمـت *** مزادًا سقا فيه المزوّد معصـمـا

فبات رفيقي بعد ما سـاء ظـنّـه *** بمنزلةٍ من آخر الليل مـكـرمـا

ولو أنها لم يدفع العـيس زّمـهـا *** رأى بعضها من بعض أنسائها دما

وقال حميد الأرقط‏:‏

ومستنبحٍ بعد الهدوء وقـد جـرت *** له حرجفٌ نكباء والليل عـاتـم

رفعت له مخلوطةً فاهتدى بـهـا *** يشبّ لها ضوء من النار جاحـم

فأطعمته حتى غـدا وكـأنـمـا *** تنازعه في أخدعيه المـحـاجـم

كزمهان يفطو المشي لو جعلت له *** رعايا الحمى لم يلتفت وهو قـائم

حريصٌ على التسليم لو يستطيعـه *** فلم يستطع لما غدا وهو عـاتـم

وقال الأعشى‏:‏

إذا حلّت معاوية بن عمرو *** على الأطواء خنّقت الكلابا

وقال آخر‏:‏

أيا بنة عبـد الـلّـه وابـنة مـالـكٍ *** ويابنة ذي البردين والفـرس الـورد

إذا ما عملت الزاد فالتـمـسـي لـه *** أكيلًا فإنـي غـير آكـلـه وحـدي

بعيدًا قصـيًّا أو قـريبـًا فـإنـنـي *** أخاف مذمّات الأحاديث من بـعـدي

وكيف يسيغ الـمـرء زادًا وجـاره *** خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد

وللمـوت خـيرٌ مـن زيادة بـاخـلٍ *** يلاحظ أطراف الأكيل على عـمـد

وقال مرّة بن محكان السّعدي‏:‏

فقلت لما غدوا أصي قعـيدتـنـا *** غدّي بينك فلن تلفيهـم حـقـبـا

أدعى أباهم ولم أقرف بـأمـهـم *** وقد هجعت ولم أعرف لهخم نسبا

لحماد عجرد في بخيل وقال حمّاد عجرد‏:‏

زرت امرًا في بيته مرّةً *** له حـياءٌ ولـه خـير

يكره أن يتخم إخـوانـه *** إنّ أذى التّخمة محذور

ويشتهي أن يؤجروا عنده *** بالصوم والصائم مأجور

مثله لبعض المحدثين وقال بعض المحدثين‏:‏

أبو نوحٍ نزلت عليه يومـًا *** فغدّاني برائحة الطـعـام

وجاء بلحمٍ لا شيءٍ سمـينٍ *** فقدّمه على طبق الكـلام

فلما أن رفعت يدي سقانـي *** مدامً بعد ذاك بـلا مـدام

فكان كمن سقى الظمآن آلا *** وكنت كمن تغدّى في المنام

لعروة بن الورد وقال عروة بن الورد‏:‏

إني امرؤٌ عافي إنـائي شـركةٌ *** وأنت امرؤٌ عافي إنائك واحـد

أتهزأ منّي أن سمنت وأن تـرى *** بجسمي مسّ الحقّ والحقّ جاهد

أقسّم جسمي في جسومٍ كثـيرةٍ *** وأحسو قراحالماء والماء بـارد

باب القدور والجفان

الفرزدق وقدر ابن جبار ذكر الفرزدق عقبةً بن جبّار المنقري وقدره فقال‏:‏

لو أن قدرًا من طول محبسـهـا *** على الحفوف بكت قدر ابن جبّار

ما مسّها دسمٌ مذ فضّ معدنـهـا *** ولا رأت بعد نار القين من نـار

وقال‏:‏

كأنّ تطلّع التّرعيب فيها *** عذارٍ يطّلعن إلى عذار

الكميت وقال الكميت‏:‏

كأنّ الغطامط من غليهـا *** أراجيز أسلم تهجو غفارًا

وقال آخر‏:‏

وقدرٍ كجوف الليل أحمشت غليها *** ترى الفيل فيها طافيًا لم يفصّل

ابن الزبير يمدح ابن خارجة وقال ابن الّزبير يمدح أسماء بن خارجة‏:‏

ترى البازل البختيّ فوق خوانه *** مقطّعةً أعضاؤه ومفاصلـه

الرقاشي وابن يسير وقال الرّقاشيّ‏:‏

لنا من عطاء اللّه دهمـاء جـونةٌ *** تناول بعد الأقربـين الأقـصـيا

جعلت ألالًا والرّجـام وطـخـفةً *** لها فاستقلّت فوقهـنّ الأثـافـيا

مؤدّيةً عنا حـقـوق مـحـمـدٍ *** إذا ما أتانا يابس الجنـب طـاويا

أتى بن يسيرٍ كي ينفّس كـربـه *** إذا لم يرح وافي مع الصبح غاديا

فأجابه ابن يسير‏:‏

وثرماء ثلماء النواحـي ولا يرى *** بها أحدٌ عيبًا سـوى ذاك بـاديا

إذا انقاض منها بعضها لم تجد لها *** رؤوب لما قد كان منها مدانـيا

وإن حاولوا أن يشعبوها فإنـهـا *** على الشّعب لا تزداد إلا تداعـيا

معوّذة لإرجال لم توف مرقـبـًا *** ولم تمتط الجون الثلاث الأثافـيا

ولا اجتزعت من نحو مكة شـقّةً *** إلينا ولا جازت بها العيس واديا

ولكنّها في أصلها مـوصـلـيّةٌ *** مجاورةٌ فيضًا من البحر جـاريا

أتتنا تزجّيها المجاذيف نـحـونـا *** وتعقب فيما بين ذاك الـمـزاديا

يقول لمن هذي القدور التي أرى *** تهيل عليها الرّيح تربًا وسـافـيا

فقالوا ولن يخفي على كل ناظرٍ *** قدور رقاشٍ إن تـأمّـل دانـيا

فقلت متى باللحم عهد قدوركـم *** فقالوا إذ ما لـم يكـنّ عـواريا

من اضحى إلى أضحى وإلاّ فإنها *** تكون بنسسج العنكبوت كما هيا

فلما استبان لجهد لي في وجوههم *** وشكواهم أدخلتهم في عـيالـيا

ينادي ببعضٍ بعضهم عند طلعتي *** ألا أبشروا هذا اليسيريّ جائبـا

لأبي نواس وقال أبو نواس‏:‏

ودهماء تثفيها رقاشٌ إذا شـتـت *** مركّـــبة لآذان أمّ عـــيال

يغصّ بحيزوم لبعوضة صدرهـا *** وتنزلها عفوًا بـغـير جـعـال

ولو جئتها ملاي عبيطًا مـجـزّلًا *** لأخرجت ما فيهاا بعـود خـلال

هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائلٍ *** ربيع اليتامى عام كـلّ هـزال

وقال أيضًا‏:‏

رأيت قدور الناس سودًا من الصّلـى *** وقدرالرّقاشيّين زهراء كـالـبـدر

ولو جئته ملأي عبـيطـًا مـجـزّلًا *** لأحرجت ما فيها على طرف الظّفر

يثبّتها للمـعـتـفـي بـفـنـائهـم *** ثلاثٌ كحظّ الثاء من نقط الحـبـر

تروح على حـيذ الـرّبـاب ودارمٍ *** وسعدٍ وتعروها فراضبة الـفـزر

وللحيّ عمرٍ ونفحةٌ من سجـالـهـا *** وتغلب والبيض االلّهاميم من بـكـر

إذا ما ينادي بالرحيل سعـى بـهـا *** أمامهم الحولـيّ مـن ولـد الـذّرّ

جفنة ابن جدعان وقال أبو عبيدة‏:‏ كان لعبد اللّه بن جدعان جفنة يأكل منها القائم والراكب‏.‏ وذكر غيره أنه وقع فيها صبيّ فغرق‏.‏

للأشعر وقال الأشعر‏:‏

وأنت مليخٌ كلحم الـحـوار *** فلا أنت حلوٌ ولا أنت مـرّ

وقد علم الضيف والطارقون *** بأنك للضيف جـوعٌ وقـرٌ

بين يحيى بن خالد وأبي الحارث سأل يحيى بن خالد أبا الحارث جمّيزًا عن طعام رجلٍ، فقال‏:‏ أما مائدته فمقنة وأما صحافه فمنقورةٌ من حبّ الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف نقرة جوزة، وبين اللون واللون فترة نبيّ‏.‏

قال‏:‏ فمن يحضرها‏؟‏ قال‏:‏ الكرام الكاتبون‏.‏ قال‏:‏ فيأكل معه أحدٌ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، الذّباب‏.‏ قال‏:‏ فلهذا ثوبك مخرّق ولا يكسوك وأنت معه وبفنائه‏؟‏‏!‏ قال أبو الحارث‏:‏ جعلت فداءك، واللّه لو ملك بيتًا من بغداد إلى الكوفة مملوءًا إبرًا، في كل إبرةٍ خيط، ثم جاءه جبريل وميكائيل معهما يعقوب يضمنان عنه إبرة يخيط بها قميص يوسف لذي قدّ من دبرٍ، ما أعطاهم‏.‏

لبعضهم في بخيل وقال بعضهم‏:‏

ولو عليك اتكالي في الغذاء إذًا *** لكنت أوّل مدفونٍ من الجوع

سياسة الأبدان بما يصلحها من الطعام وغيره

نصيحة تياذوق طبيب الحجاج قال الحجاج لتياذوق متطبّبه‏:‏ صف لي صفةً آخذ بها‏"‏في نفسي‏"‏ولا أعدوها، قال تياذوق‏:‏ لا تتزوّج من النساء إلا شابّة، ولا تأكل من اللحم إلا فتيّا، ولا تأكله حتى ينعم طبخه، ولا تشر بنّ دواءً إلا من علةً، ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها، ولا تأكل طعامًا إلا أجدت مضغه، وكل ما أحببت من الطعام واشؤب عليه، وإذا شربت فلا تأكل عليه شيئًا، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت بالنهار فنم، وإذا أكلت بالليل فتمشّ ولو مائة خطوةٍ‏.‏

يهود خيبر روى عبد العزيز بن عمران عن الحليس بن حيّان الأشجعيّ قال‏:‏ حدّثني أبي عن شيوخ من أشجع قال‏:‏ سألنا يهود خيبر‏:‏ بم صححتم بخيبر‏؟‏ قالوا‏:‏ بشرب الخمر، وأكل الفوم، وسكون اليفاع، وتجنّب بطون الأودية، والخروج من خيبر عند طلوع الفجر وسقوطه‏.‏

بين الحجاج والحكم بن المنذر بن الجارود قال الحجّاج للحكم بن المنذر بن الجارود‏:‏ أخبرني عن صفاء لونك وغلظ قصرتك، أشرب اللبن فهو منه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ لأنه منتنةٌ منفخةٌ‏.‏ قال فما شرابك‏؟‏ قال‏:‏ نبيذ الدّقل في الصيف ونبيذ العسل في الشتاء‏.‏

بين عبد الملك وأعرابي قال عبد الملك لأعرابي‏:‏ إنك حسنٌ الكدنة‏.‏ قال‏:‏ إني أدفىء رجليّ في الشتاء، وأغفل غاشية الغمّ، وآكل عند الشهوة‏.‏

لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن عليّ رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب اللّه عنه سبعين نوعًا من البلاء‏.‏ ومن أكل كلّ يومٍ سبع تمرات عجوةٍ قتلت كلّ داء في بطنه‏.‏ ومن أكل كلّ يوم إحدى وعشرين زبيبةٍ حمراء لم ير في بدنه شيئًا يكرهه‏.‏ واللحم ينبت اللحم والثريد طعام العرب‏.‏ ولحم البقر داء، ولبنها شفاء، وسمنها دواء‏.‏ والشّحم يخرج مثليه من داءٍ ولم يستشف الناس بشيء أفضل من الرّطب والسّمك يذيب الجسد وقراءة القرآن والسواك يذهب البلغم‏.‏ ومن أراد البقاء- ولا بقاء- فليباكر الغداء وليقلل غشيان النّساء ويخّفف الرداء، وليلبس الحذاء قيل‏:‏ وما خفّة الرّداء في البقاء‏؟‏ قال‏:‏ قلّة الدّين‏.‏

لبعضهم في سياسة البدن قيل لرجل‏:‏ إنك لحسن السّحّنة‏.‏ فقال‏:‏ آكل لباب البرّ بصغار المعز، وأدّهن بحام البنفسج، وألبس الكتّان‏.‏

في أشياء تورث الهزال ويقال‏:‏ ثلاثة أشياء تورث الهزال‏:‏ شرب الماء على الرّيق، والنوم على غير وطأةٍ، وكثرة الكلام برفع الصوت‏.‏

ويقال‏:‏ أربع خصالٍ يهدمن العمر وربما قتلن‏:‏ دخول الحمامّ على بطنةٍ، والمجامعة على الأمتلاء، وأكل القديد الجافّ، وشرب الماء البارد على الرّيق، وقيل‏:‏ مجامعة العجوز‏.‏

من الأثر وفي الحديث‏:‏ ‏"‏ثلاثة أشياء تورث النّسيان أكل التّفّاح الحامض وسؤر الفأرة ونبذ القملة‏"‏‏.‏

وفي حديث آخر‏:‏ ‏"‏الحجامة في النّقرة والبول في الماء الراكد‏"‏ويقال‏:‏ أربعة أشياء تقصد إلى العقل بالأفساد‏:‏ الإكثار من البصل، والباقلاء، والجماع، والخمار‏.‏

لإبراهيم النظام وقال النّظّام‏:‏ ثلاثة أشياء تخلق العقل وتفسد الذّهن‏:‏ طول النّظر في المرآة والأستغراب في الضّحك، ودوام النّظر إلى البحر‏.‏

وكان يقال‏:‏ عشاء الليل يورث العشا‏.‏

ويروى في الحديث‏:‏ ‏"‏ترك العشاء مهرمة‏"‏والعرب تقول‏:‏ ترك العشاء بلحم الأليتين

باب الحمية

للحارث بن كلدة قال الحارث بن كلدة طبيب العرب‏:‏ الدواء هو الأزم يعني الحمية لجالينوس وقيل لجالينوس‏:‏ إنك تقلّ من الطّعام؛ قال‏:‏ غرضي من الطّعام أن آكل لأحيا وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل للعمّي في الحمية وقال العميّ‏:‏ من احتوى فهو على يقينٍ من المكروه، وفي شكّ مما يأمل من العافية‏.‏ وكان يقال‏:‏ ليس الطبيب من حمى الملك ومنعه الشهوات، إنما الطبيب من خلاّه وما يريد وساس بدنه لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء‏:‏

ورّبت حزمٍ للسّـقـم عـلّةً *** وعلة برء الداء خبط المغفّل

ويقال‏:‏ الحمية للصحيح ضارّة كما أنها للعليل نافعة‏.‏

الحمية في الحديث الشريف وفي الحديث‏:‏ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى صهيبًا يأكل تمرًا وبه رمدّ، فقال له‏:‏ ‏"‏أتأكل التمر وبك رمد‏؟‏‏"‏فقال‏:‏ يا رسول اللّه إنما أمضغ بهذه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جدّه‏:‏ قال‏:‏ قال رسول اللذه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشّراب فإن اللّه يطعمهم ويسقيهم‏"‏

باب شرب الدواء

للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال عبد اللّه بن بكر السّهميّ‏:‏ حدثنا بعض أصحابنا يرفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من استقل بدائه فلا يتداوين فإنه ربّ دواء يورث الداء‏"‏لبعض الحكماء في شرب الدواء وكانت الحكماء تقول‏:‏ إياك وشرب الدواء ما حملت صحتّك داءك وقالوا‏:‏ مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه، ولكنه يخلقه ويبليه‏.‏

لطبيب كسرىة عن يزيد بن الأصمّ قال‏:‏ لقيت‏"‏طبيب‏"‏كسرى شيخًا‏"‏كبيرًا‏"‏قد أوثق حاجبيه بخرقة، وسألته عن دواء المشي؛ قال‏:‏ سهمٌ يرمي به في جوفك أخطأ أو أصاب‏.‏

لأبقراط قال أبقراط‏:‏ الدواء من فوق، والدواء من تحت، والدواء لا فوق ولا تحت‏.‏ وفسّره المفسّر فقال‏:‏ من كان داؤه في بطنه فوق سرّته سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرّته حقن، ومن لم يكن به داءٌ في بطنه فوق سرتّه سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت سرتّه حقن، ومن لم يكن به داءٌ لا من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء، فإن الدواء إذا لم يجد داء يعمل فيه وجد الصحّة فعمل فيها‏.‏

عبد العزى بن عبد المطلب

قال أبو اليقظان‏:‏ كان عبد العزّى بن عبد المطّلب يشتكي عينه وهو مطرقٌ أبدًا؛ وكان يقول‏:‏ ما بعيني بأس، ولكن أخي الحارث إذا اشتكت عينه يقول‏:‏ اكحلوا عين عبد العزّى معي؛ فيأمر من يكحّلني معه ليرضيه بذلك فأمرض عيني‏.‏

لابن الأحمر قال ابت أحمر شفي بطنه‏:‏

شربت الشّكاعى والتددت ألدّة *** وأقبلت أفواه العروق المكاويا

شربنا وداوينا وما كان ضارنا *** إذا اللّه حمّ المرء أن لا تداويا

في لأثر وفي الحديث‏:‏ ‏"‏داووا مرضاكم بالصّدقة ووحصّنوا أموالكم بالزّكاة واستقبلوا أنواع البلايا بالدعاء‏"‏‏.‏

الحدث والحقنة والتّخمة

لقمان لابنه عن وهب قال‏:‏ قال لقمان لابنه‏:‏ إن طول الجلوس على الخلاء يرفع الحرارة إلى الرأس، ويورث االباسور وتيجع له الكبد؛ فأجلس هوينى وقم هوينى‏.‏ فكتب حكمته على باب الحشّ‏.‏

وكان يقال‏:‏ إذا خرج االطعام قبل ستّ ساعات فهو مكروه، وإذا بقي أكثر من أربع وعشرين ساعة فهو مرض‏.‏

شكاية أبي ذفافة وشعر لأعرابي وكان أبو ذفافة الباهليّ اشتكى، فأشار عليه الأطبّاء بالحقنة فامتنع؛ فأنشأ أعربيّ يقول‏:‏

لقد سرّني واللّه وقّاك شرّها نفارك منها إذ أتاك يقودها

كفى سوءةً لاّ تزل مجبّيًا *** علـى شـكـوة وفـراء فـي اسـتـك عـودهـــا

عبيد اللّه بن زياد والحقنة وأشاروا على عبيد بن زياد بالحقنة فتفحّشها؛ فقالوا‏:‏ إنما يتولاّها منك لطبيب‏.‏ فقال‏:‏ أنا بالصاحب آنس‏.‏

الحجاج وجلسائه قل المدائنيّ‏:‏ سأل الحجّاج جلساءه‏:‏ ما أذهب الأشياء للإعياء‏؟‏ فقل بعضهم‏:‏ أكل التّمر‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ الحمام‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ التّمريخ‏.‏

لفيروز وقال فيروز‏:‏ أذهب الأشياء للإعياء قضاء الحاجة‏.‏

وحدثني بعض الأطباء أن رجلًا شرب خبث الحديد المعجون فبقي في جوفه، فاشتد عليه وجعه؛ فسحقت له قطعةٌ من المغناطيس وسقي إياه، فتعلق بالخبث وخرج مع الغائط‏.‏

لتياذوق طبيب الحجاج قال‏:‏ وقال تياذوق طبيب الحجاج للحجاج‏:‏ إن اللحم على اللحم يقتل السباع في البرية‏.‏

ثم قال لي جعفر‏:‏ قالت جارية لنا‏:‏ كان لي ظبيٌ فمر بعجين قد هييء للخشكنان، فكل منه فحفس - والحفس‏:‏ الحبط وانتفاخ البطن - فسلخ فوجد قد شرق بالدم‏.‏

وقال يونس ‏)‏طبيب لنا‏(‏‏:‏ هكذا يصاب الإنسان إذا بشم‏.‏

لبعض الأعراب يدعو الله الأصمعي‏:‏ قال بعض الأعراب‏:‏ اللهم إني أسألك ميتةً كميتة أبي خارجة، أكل بذجًا، وشرب معسلًا، ونام في الشمس، فلقي الله شبعان ريّان دفآن‏.‏

وقال آخر من الأعراب‏:‏ اللهم اجعل التخمة دائي وداء عيالي‏.‏

لابن شبابة قل ابن شبابة مولى بني أسد‏:‏ من بال ولم يضرط كتبت استه من الكاظمين الغيظ‏.‏

باب القيء

لجعفر بن سليمان عن جعفر بن سليمان أنه قال لإنسان أكول يقيء إذا أكل‏.‏ لا تفعل، فإن المعدة تضفز إلى القيء كما تضفز الدابة إلى العلف، فلا ينضج الطعام‏.‏

لمزبّد وأخذ مزبّد شاربًا فاستنكه، فأتي به الوالي فاستنكهوه، فقالوا‏:‏ نكهته لا تنبيء عنه‏.‏ قال مزيد‏:‏ إن لم أقيء نبيذًا فمن لي عشاءً‏.‏

رئي الجمّال يأكل فقيل له‏:‏ ما تأكل‏؟‏ قال‏:‏ قيء كلب في قحف خنزير‏.‏

النكهة

لتياذوق الطبيب في البخر سئل تياذوق عن البخر فقال‏:‏ دواؤه الزبيب يعجن بسعتر ثم يؤكل أسبوعين أو ثلاثة فجرّب فذهب‏.‏

للروم في البخر وتقول الروم في الكرفس‏:‏ إنه يطيب الفم ويذهب البخر؛ ويحتاج إلى أكله من يشاهد السلطان ومحافل الناس وكان أكثر كلامه السرار‏.‏

لمنع رائحة البصل والثوم من الفم قالت الأطباء‏:‏ الجزر المشوي والخبز المقلو بالزيت أو بالسمن إذا مضغ ورمي بثفله قاطعٌ لرائحة البصل من الفم‏.‏ والفوم إن أكله آكلٌ فأحب أن يقطع رائحته مضغ ورق الزيتون الطري وتمضمض بعده بالخل‏.‏

والسعد قاطع لرائحة النبيذ من الفم‏.‏ وحبّ الأترج مطيّب للنّكهة‏.‏ والبخر لا يكاد يكون في الملاحين لأكلهم الملاح‏.‏

ما يورث البخر وقرأت في الآيين‏:‏ أن رئيس الحرم أمر جواري الملك ألا يأكلن الثوم والبصل والكرّاث واللفّاح والحمّص الرطب والمشمش؛ فإنه يورث البخر‏.‏

باب المياه والأشربة

للأطباء في المياه قالت الأطباء‏:‏ معرفة خفّة الماء بأن يكون سريع الغليان ويكون سريع البرد‏.‏ وأحمد المياه ما كان قبالة المشرق ومجراه مجرى الشمال ومروره على الطين الأحمر وعلى الرمل‏.‏

قالوا‏:‏ ومما يصفّي من الماء الكدر فيصفو سريعًا أن يلقى فيه قطعٌ من خشب الساج أو قطعٌ من آجرٍّ جديدٍ‏.‏

قال بعض المحدثين‏:‏

يمنع أمه بالـشـمـال *** وماؤها البارد الـزلال

يصيح فيها وقـايتـونـا *** يجري به الثلج في مثال

في تحلية الماء المرّ الغليظ وقال صاحب الفلاحة‏:‏ من أراد أ يعذب له الماء الزّعاق جعله في قدر جديدة من خزف وغطى فاها بأسحال ثم أوقد تحتها حتى تغلي ويحصل فيها نصف ذلك الماء ثم صفّاه وتركه، فإنه يجده شروبًا‏.‏

في ماء دجلة وقالوا‏:‏ ماء دجلة يقطع شهوة الرجال ويذهب بصهيل الخيل ونشاطها، ومن لم يأكل الدسم عليه انحل عظمه ويبس جلده، وهو مع هذا أهضم للطعام من غيره من المياه وأسرعها بردًا‏.‏

ماء النيل قال‏:‏ والنّيل يستقبل الشمال وينصب في وقت زيادة الأدوية ويزيد في وقت نقصانها‏.‏ وزيادة أوّله وآخره معها؛ ولا تكون التماسيح إلا فيه؛ قال الشاعر‏:‏

أضمرت للنيل هجرانًا ومـقـلـيةً *** إذ قيل لي إنما التمساح في النـيل

فمن رأى النيل رأى العين من كثبٍ *** فما أرى النيل إلا في البـواقـيل

والسقنقور أيضًا لا يخرج إلا منه‏.‏

لابن مزاحم وروي في الحديث عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال‏:‏ قذف الفرات في المدّ رمّانةً كأنها البعير البارك، وتحدّث أهل الكتاب أنها من الجنّة‏.‏

لابن ماسويه وقال ابن ماسويه‏:‏ ينبغي للماء الغليظ الذي ليس يعذب أن يطبخ حتى يذهب منه نصفه، ثم يطرح فيه السويق أو الطين الأحمر فإنه يلطفه ويذهب غائلته ويعذبه ويمنع مدره‏.‏

منافع الفقع والجلاب والسكنجبين قالت الأطباء‏:‏ الفقّاع المتخذ من دقيق الشعير نافع من الجذام‏.‏ الجلاب قاطع لكثرة دم الحيض‏.‏ السكنجبين نافع من الذّبحة إذا كانت من حرار، يشرب ويتغرغر به‏.‏